فصل: استيلاء العادل على دمشق.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استيلاء العادل على دمشق.

ثم إن العزيز استمال العادل وأطمعه في دمشق أن يأخذها من أخيه ويسلمها إليه وكان الظاهر صاحب حلب يعذل الأفضل في موالاة عمه العادل ويحرضه على أبعاده فيلج في ذلك ثم إن العادل والعزيز ساروا من مصر وحاصروا دمشق واستمالوا من أمراء الأفضل أبا غالب الحمصي على وثوق الأفضل به وإحسانه إليه ففتح لهم الباب الشرقي عشي السابع والعشرين ممن رجب سنة اثنتين وتسعين فدخل العادل منه إلى دمشق ووقف العزيز بالميدان الأخضر وخرج إليه أخوه الأفضل دار شيركوه وأظهروا مصالحة الأفضل خشية من جموعه وأعادوه إلى القلعة وأقاموا بظاهر البلد والأفضل يغاديهم كل يوم ويراوحهم حتى استفحل أمرهم فأمروه بالخروج من دمشق وتسليم أعمالها وأعطوه قلعة صرخد وملك العزيز القلعة ونقل للعادل أن العزيز يريد أن يتردد إلى دمشق فجاء إليه وحمله على تسليم القلعة فسلمها وخرج الأفضل إلى رستاق له خارج البلد فأقام به وسار إلى صرخد وعاد العزيز إلى مصر وأقام العادل بدمشق والله سبحانه وتعالى أعلم بغيبه وأحكم.

.فتح العادل يافا من الإفرنج واستيلاء الإفرنج على بيروت وحصارهم تبنبن.

ولما توفي صلاح الدين وملك أولاده بعده جدد العزيز الهدنة مع الكندهري ملك الإفرنج كما عقد أبوه معه وكان الأمير أسامة يقطع بيروت فكان يبعث الشواني للإغارة على الإفرنج وشكوا ذلك إلى العادل بدمشق والعزيز بمصر فلم يشكياهم فأرسلوا إلى ملوكهم وراء البحر يستنجدونهم فأمدوهم بالعساكر وأكثرهم من الإلمان ونزلوا بعكا واستنجد العادل بالعزيز فبعث إليه بالعساكر وجاءته عساكر الجزيرة والموصل واجتمعوا بعين جالوت وأقاموا رمضان وبعض شوال من سنة اثنتين وتسعين ثم ساروا إلى يافا فملكوا المدينة أولا وخربوها وامتنع الحامية بالقلعة فحاصروها وفتحوها عنوة واستباحوها وجاء الإفرنج من عكا لصريخ إخوانهم وانتهوا إلى قيسارية فبلغهم خبر وفادتهم وخبر وفادة الكندهري ملكهم بعكا فرجعوا ثم اعتزموا على قصد بيروت فسار العادل لتخريبها حذرا عليها من الإفرنج فتكفل له أسامة عاملها بحمايتها وعاد ووصل إليها الإفرنج يوم عرفة من السنة وهرب منها أسامة وملكوها وفرق العادل العساكر فخربوا ما كان بقي من صيدا بعد تخريب صلاح الدين وعاثوا في نواحي صور فعاد الإفرنج إلى صور ونزل المسلمون على قلعة هونين ثم نازل الإفرنج حصن تبنبن في صفر سنة أربع وتسعين وبعث العادل عسكرا لحمايته فلم يغنوا عنه ونقب الإفرنج أسواره فبعث العادل بالصريخ إلى العزيز صاحب مصر فأغذ السير بعساكره وانتهى إلى عسقلان في ربيع من السنة وكان المسلمون في تبنين قد بعثوا إلى الإفرنج من يستأمن لهم ويسلمون لهم فأنذرهم بعض الإفرنج بأنهم يغدرون بهم فعادوا إلى حصنهم وأصروا على الإمتناع حتى وصل العزيز إلى عسقلان فاضطرب الإفرنج لوصوله ولم يكن لهم ملك وإنما كان معهم الجنصكر القسيس من أصحاب ملك الألمان والمرأة زوجة الكندهري فاستدعوا ملك قبرص وإسمه هبري وهو أخ الملك الذي أسر بحطين فجاءهم وزجوه بملكتهم فلما جاء العزيز وسار من عسقلان إلى جبل الخليل وأطل على الإفرنج وناوشهم القتال رجع الإفرنج إلى صور ثم إلى عكا ونزلت عساكر المسلمين بالبحور فاضطرب أمراء العزيز واجتمع جماعة منهم وهم ميمون القصري وقراسنقر والحجاب وابن المشطوب على الغدر بالعزيز ومدبر دولته فخر الدين جهاركس فأغذا السير إلى مصر وتراسل العادل والإفرنج في الصلح وانعقد بينهم في شعبان من السنة ورجع العادل إلى دمشق وسار منها إلى ماردين كما يأتي خبره والله تعالى أعلم.

.وفاة طغتكين بن أيوب باليمن وملك ابنه إسمعيل ثم سليمان بن تقي الدين شاهنشاه.

قد تقدم لنا أن سيف الإسلام طغتكين بن أيوب سار إلى المدينة سنة ثمان وسبعين بعد وفاة أخيه شمس الدولة توران شاه واختلاف نوابه باليمن واستولى عليها ونزل زبيد وأقام بها إلى أن توفي في شوال سنة ثلاث وتسعين وكان سيء السيرة كثير الظلم للرعية جماعا للأموال ولما استفحل بها أراد الإستيلاء على مكة فبعث الخليفة الناصر إلى أخيه صلاح الدين يمنعه من ذلك فمنعه ولما توفي مكانه ابنه إسمعيل وبلغ المعز وكان أهوج فانتسب في بني أمية وادعى الخلافة وتلقب بالهادي ولبس الخضرة وبعث إليه عمه العادل بالملامة والتوبيخ فلم يقبل وأساء السيرة في رعيته وأهل دولته فوثبوا وقتلوه وتولى ذلك سيف الدين سنقر مولى أبيه ونصب أخاه الناصر سنة ثمان وتسعين فأقام بأمره ثم هلك سنقر لأربع سنين من دولته وقام مكانه غازي بن جبريل من أمرائهم وتزوج أم الناصر ثم قتل الناصر مسموما وثأر العرب منه بغازي المذكور وبقي أهل اليمن فوضى واستولى على طغان وبلاد حضرموت محمد بن محمد الحميري واستبدت أم الناصر وملكت زبيد وبعثت في طلب أحد من بني أيوب تملكه على اليمن وكان مظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه وقيل لابنه سعد الدين شاهنشاه ابن اسمه سليمان ترهب ولبس المسوح ولقيه بالموسم بعض غلمانها وجاءته فتزوجته وملكته اليمن والله سبحانه وتعالى أعلم.